لا يخرج إعلان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الخميس، بأن الحكومة العراقية "ماضية" باتجاه إنهاء وجود التحالف الدولي في العراق عن إطارٍ سياسي، حسب خبراء ومراقبين تحدثوا لموقع "الحرة".
ويكشف عن حالة تحول دون اتخاذ موقف أمني أو عسكري إزاء الهجمات والردود المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأميركية والميليشيات المدعومة من إيران، وأخرى ترتبط بـ"الأجندة ذات الاتجاه الموالي لطهران".
حديث السوداني جاء خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز.
وتبع ضربات جوية نفذتها وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" على 3 مواقع تابعة لكتائب حزب الله العراقي، ردا على هجوم بطائرة مفخخة نفذته الميليشيا على قاعدة أربيل الجوية، وأسفر عن إصابة 3 جنود أميركيين.
وأضاف أن "الحكومة في طور إعادة ترتيب العلاقة في ظل قوات عراقية متمكنة"، مؤكدا أنها "ماضية باتجاه إنهاء وجود قوات التحالف، الذي يضم مستشارين أمنيين يدعمون القوات الأمنية في مجالات التدريب والمشورة والتعاون الاستخباري".
السوداني تحدث عن "اعتداءات حصلت مؤخرا على القواعد العسكرية العراقية والبعثات الدبلوماسية"، وأن الموقف الرسمي للحكومة يعتبرها "أعمالا عدائية تضر بالمصلحة الوطنية وتؤثر على أمن واستقرار البلد".
كما أكد "على أهمية الالتزام بالتفويض القانوني الممنوح من قبل الحكومات العراقية السابقة لهذا الوجود، والذي يجب أن يكون ضمن إطار الدعم للقوات الأمنية في مجالات التدريب، وأن لا يتجاوز حد القيام بأعمال عسكرية كونها تمثل مساسا بالسيادة العراقية وهو أمر مرفوض"، حسب تعبيره.
لماذا الآن؟
ولا يعتبر ما قاله السوداني جديدا على صعيد تواجد قوات التحالف الدولي في العراق، حيث سبق وأن أشار في سبتمبر الماضي إلى جزئية تتعلق بـ"انتهاء داعش"، وهو ما استدعى ردا من الولايات المتحدة الأميركية.
قبل ثلاثة أشهر أكدت واشنطن أن تواجد قوات أميركية في العراق "أمر متفق عليه مع بغداد"، بعد أيام من تصريحات للسوداني بأن تنظيم داعش "لم يعد تشكل تهديدا"، وأن بلاده لم تعد بحاجة إلى التحالف الدولي.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر حينها: "أصدرنا في أغسطس الماضي بيانا مشتركا مع شركائنا العراقيين أكدنا فيه على أننا موجودون هناك بناءً على دعوتهم، ومن ثم نعتزم التشاور بشأن عملية مستقبلية تشمل التحالف لتحديد كيفية تطور المهمة العسكرية للتحالف".
وأضاف: "قوات الأمن العراقية تتولى قيادة مهام داعش داخل العراق وقد أظهرت قدرة متزايدة على مواجهة هذا التهديد".
ويعتبر الباحث السياسي العراقي، هيثم الهيتي أن حديث السوداني بشأن التوجه لإنهاء تواجد التحالف الدولي في العراق "واقعي وهو أصدق تصريح سياسي لمسؤول منذ 2003".
ويقول لموقع "الحرة" إن "الأجندة السياسية للنخبة الحاكمة هي ذات اتجاه موال لإيران وليس للولايات المتحدة الأميركية"، وهو ما نراه منعكسا في الوقت الحالي على الواقع.
ويرتبط الولاء لإيران بعدة اتجاهات، أولها "جعل العراق منفذا اقتصاديا دائما لإيران، أو رئة تنفسية بحيث يتم أحوزته"، وفق الهيتي.
ويضيف الباحث أن "إيران جزء من خط السير الروسي الصيني العالمي الذي يعمل على منافسة الهيمنة الأميركية، ولذلك تحاول قلع العراق من طرف الأخيرة".
ويعتقد الباحث في "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، مجاهد الصميدعي أن "الحكومة العراقية في وضع صعب من ناحية قدرتها على إيقاف القصف الذي يأتي من الميليشيات والرد الحاصل من الولايات المتحدة".
ويقول لموقع "الحرة" إن تصريحات السوداني "سياسية"، وتدل على "عجز حكومته عن اتخاذ موقف أمني وعسكري قوي لإيقاف هذين التدخلين"، في إشارة إلى القصف والرد المقابل.
هل العراق قادر على التخلي؟
وبعد صعود تنظيم داعش في العام 2014، وسيطرته على نحو ثلث الأراضي العراقية، أنشأت واشنطن تحالفا دوليا لدعم القوات العراقية والقوات الكردية في سوريا.
وعلى الرغم من هزيمته في العام 2017 في العراق، لا يزال التنظيم يتبنى من وقت لآخر هجمات في البلاد، ولا يزال التحالف نشطا في العراق لمنع صعوده من جديد، رغم أن الأخير أعلن في العام 2021 "انتهاء المهام القتالية".
ويضمّ التحالف الدولي حاليا نحو 2500 عسكري أميركي، ونحو 1000 من الدول الأعضاء فيه، وينتشرون في قواعد عسكرية تحت قيادة القوات العراقية.
ويعتقد الباحث الصميدعي أن الحكومة العراقية "بحاجة إلى خطة إذا ما أرادت إخراج التحالف الذي تقوده القوات الأميركية، وقد تكون لخمس سنوات أو 3 أو أقل".
ويجري التحالف منذ سنوات "عمليات لوجستية وتدريبات وقصف على مواقع داعش، استنادا لمعلومات تأتي من العراق أو من أجهزة الاستخبارات"، وفق الصميدعي.
ويضيف: "إذا ما أراد العراق إنهاء التواجد عليه أن يقوم بالاستعداد لملء الفراغ، أي نشر قوات قادرة على الدعم اللوجستي والتصدي للإرهاب وقصف المواقع".
ويجب أن "يكون قادرا على جمع معلومات وجهود استخباراتية في معركة التنظيم"، حسب الباحث الذي يردف: "وإلا ستكون النتيجة مأساوية كما حصل في 2011 عندما خرجت القوات الأميركية، وانتشر الإرهاب إلى أن انهار البلد في 2013".
ماذا عن الدعم؟
وتعتمد القوات العراقية بشكل كبير على الدعم الإيراني والميليشيات المدعومة من إيران والتحالف، حسب ما يوضح ريتش أوتزن كبير الخبراء في "المجلس الأطلسي" وضابط أميركي سابق.
ويرى في حديث لموقع "الحرة" أن "مطالبة الحكومة التحالف بالرحيل من شأنه أن يعمق الاعتماد على إيران ووكلائها".
و"قد يكون العراق قادرا على احتواء فلول داعش على هذا الأساس، ولكن ليس بنفس الدرجة، وليس من دون التنازل عن مزيد من السيطرة لطهران"، كما يضيف أوتزن.
الخبير الأميركي يشير من جانب آخر إلى أن حكومة العراق تعتمد على الدعم المصرفي والمالي من شركة Western بدرجة عالية.
ويتابع أنه "إذا تمت دعوة قوات التحالف للمغادرة، فمن غير الواضح ما إذا كان سيتم الحفاظ على أشكال الدعم الأخرى على نفس المستويات".
الباحث الهيتي من جانبه أيضا يشير إلى ذات الفكرة، ويقول إن "الجانب الأميركي يسيطر على التمويل العراقي. بمعنى المبالغ التي تأتي من البنوك الأميركية ثمن أسعار النفط".
وتشكل هذه الجزئية "عائقا وحيدا يحول دون إمكانية خروج العراق من المسار الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية"، وفق الهيتي.
ومع ذلك يعتقد الباحث أنه "على المدى الطويل وليس البعيد جدا قد تكون هناك حلول محتملة عراقية صينية روسية إيرانية لإخراج العراق من المسار الذي هو عليه".
وربما تسعى بغداد إلى إنهاء وجود التحالف على الأرض مع الحفاظ على الدعم الخارجي (الدعم الجوي، والخدمات اللوجستية، وما إلى ذلك) المتمركز في البلدان المجاورة، حسبما يرى الضابط الأميركي السابق، أوتزن.
المادة جيدة، حيث قدم المحرر أكثر من وجهة نظر، وقدم تغطية كافية حول الموضوع, واشار إلى مصدر الصورة عن وكالةAFP.