دفن المؤنفلين في صحراء السماوة.. بين الواقع وفيلم "صمت الراعي"




دفن المؤنفلين في صحراء السماوة.. بين الواقع وفيلم "صمت الراعي"
فن / تقارير
جودة الخبر 80%
تمييز صورة بدون مصدر

تم نقل النص عن قناة رووداو عربية بتاريخ 22/05/2023 08:31

شارك على  
المحرر - معد فياض


في الاسبوع الماضي زارت بعض عوائل المؤنفلين الذين تم دفنهم في صحراء السماوة بمحافظة المثنى من قبل الاجهزة الامنية للنظام السابق، تلك الجريمة اضافة الى جرائم اخرى نفذت بحق الكورد فضحتها وثائق دوائر الامن والاستخبارات العسكرية التابعة لنظام صدام حسين والتي تم الكشف عنها بعد 2003، كما تم تحويل بعض قصص هذه الفواجع الى افلام روائية اعتمدت على احداث حقيقية، ولعل ابرزها الفيلم الروائي "صمت الراعي" للمخرج العراقي رعد مشتت، الذي كتب سيناريو الفيلم بنفسه.
 
جرائم الحروب والابادات الجماعية لا تختفي من التاريخ، حيث كانت السينما العالمية قد فضحت جرائم الابادة الجماعية التي اقترفتها اجهزة المانيا النازية بحق اليهود من خلال افلام عديدة اعتمدت على وثائق تتمتع بمصداقية عالية، وهكذا هي الجرائم التي اقترفها الاجهزة الامنية للنظام البعثي بحق الكورد.
 
المخرج رعد مشتت قال لرووداو: "إنه كنت قد قرأت خبرا قصيرا في إحدى الصحف العراقية، بعد 2003، عن راع غنم كان شاهد في كمنطقة نائية من صحراء السماوة عملية دفن جماعي لمجموعة من العوائل الكوردية، بينهم اطفال ونساء ورجال في مختلف الاعمار، حيث جيء بهم بشاحنات عسكرية ومحاطين بحراسات مشددة، و تم ايضا دفن طفلة عابرة ليست كوردية بل من اهالي المنطقة، خشية أن تفضحهم."، مضيفا:"هذه القصة بقيت لـ 15 سنة قيد الكتمان اذ لم يستطع الراعي اخبار اي شخص حولها خشية من بطش اجهزة النظام ثم أعلن عنها بعد تغيير النظام."، موضحا: "الخبر المنشور في الصحيفة على رغم قصره لكنه ينطوي على حدث خطير ومهم، واعني دفن العوائل الكوردية، لهذا أخذت هذا الخبر ليكون الثيمة الأساسية للسيناريو الذي بنيت على أساسه بقية المحاور الاجتماعية والإنسانية لفيلم(صمت الراعي)". 
 
مشتت الذي أخرج الكثير من الأفلام الوثائقية والقصيرة خاض لأول مرة تجربة كتابة سيناريو وإخراج فيلم طويل معتمدا الموضوع العراقي البحت.

موضوع الفيلم أقل ما نقول عنه مركب، إذ تناول كاتب السيناريو والمخرج، رعد مشتت، عدة قصص أو محاور مرتبطة بحدث واحد يتوزع على ثيمات سياسية واجتماعية وعاطفية، إذ تنطلق القصة من حادثة دفن مجموعة من الكورد، أطفال ونساء ورجال، في مقبرة جماعية بعد قتلهم رميا بالرصاص من قبل قوة عسكرية في صحراء السماوة (المثنى)، جنوب غربي العراق، ضمن عمليات ما عرف عنها في نهاية الثمانينات بـ"الأنفال" التي راح ضحيتها أعدادا كبيرة من كورد العراق.

العملية تجري بسرية تامة وبعيدا عن عيون الناس، لكن القدر يضع الطفلة زهرة (شيماء خليل) ذات الثلاثة عشر عاما، التي كانت تملأ جرتها من ماء النهر في وسط الحدث عندما تراقب عن بعد العملية بعد سماعها لأصوات الرصاص فيلمحها أحد الجنود ويلقى القبض عليها لتدفن مع الآخرين كي يتم التكتم على العملية برمتها، كل هذه الأحداث تدور بمرأى من الراعي صابر (سمر قحطان) الذي كان مختبئا وراء إطلال بيت طيني، مصابا بالذهول لما يراه، الذهول الذي سيحوله بعد قليل إلى شبه مجنون، مصدوم، يعاني من الصمت والانحسار اجتماعيا، مصابا بالعجز الجنسي أمام زوجته الشابة أميرة (نهار دايسو).

 
في خط آخر من الأحداث الدرامية للفيلم نرى سعدية (آلاء نجم) التي خسرت زوجها في الحرب العراقية الإيرانية وترك لها طفلتين وهي تتوسل بشقيقها سعود (مرتضى حبيب) الذاهب إلى دائرة التجنيد من أجل تأجيل التحاقه بالجيش كونه المسؤول الوحيد عن شقيقته وبنتيها، بالعودة إليها، فهي وحيدة وقد خسرت كل أهلها ولم يتبق لها سواه، مهددة إياه "سأجن إذا لم تعد يا سعود"، وبالفعل لن يعود سعود، وتصاب سعدية بصدمة تقودها إلى حافة الجنون. 
 
تزامن غياب سعود واختفاء زهرة بنت شيخ القرية حميد الصكر (محمود أبو العباس) يقود الجميع للاعتقاد أن سعود خطف (نهب حسب اللهجة الدارجة) زهرة إلى مكان غير معلوم، وخطف البنت (النهيبة) حسب الأعراف العشائرية العراقية عار لا يغسله إلا الدم، إذ يبقى الصكر في انتظار عودة سعود لقتله غسلا للعار، بينما تدفع ثمن هذه الافتراضية أخته سعدية التي تقاطعها القرية.
 
بعد أحداث عام 2003 حيث يتم تغيير نظام الحكم، ويتحرر السجناء كما تتحرر الحكايات والأسرار، يعود سعود إلى بيت شقيقته سعدية التي كانت قد فقدت الأمل بهذه العودة وما زالت تعيش آثار صدمتها النفسية لهذا لم يشكل لها حضوره أي ردود فعل سعيدة، حيث سنعرف ان سعود تم تجنيده وسوقه الى جبهات القتال في الحرب العراقية الايرانية ووقع بالاسر وعاد توا ضمن عمليات تبادل الاسرى.
 
يأمر الشيخ الصكر ابنه بقتل سعود باعتباره خاطف ابنته، تضغط أميرة زوجة الراعي على صابر لأن يعلن للقرية كلها وأولهم شيخها بالسر الذي احتفظ به لـ15 سنة، وباصرار الزوجة يتجه صابر إلى بيت الشيخ الصكر، متحررا من صمته وصدمته، ليخبره بحقيقة القصة، وأن ابنته لم يخطفها أحد، لا سعود ولا غيره وإنما دفنت مقتولة مع العوائل الكوردية، وبالفعل يدلهم على مكان المقبرة الجماعية، ليتكلل الشيخ بالشرف ثانية.

استند المخرج مشتت إلى فريق من الممثلين والفنيين العراقيين، أمثال زياد تركي مديرا للتصوير ودريد فاضل مؤلفا للموسيقى ومحمود مشتت للمونتاج، ومع ذلك لاقى عقبات في توفير بقية الكادر المتخصص.

فيلم "صمت الراعي" أكد على الموهبة الأدائية المتميزة للممثلة العراقية آلاء نجم التي لعبت دور سعدية، فهو دور مركب، بل هو أكثر من شخصية في آن واحدة، فهي الأم الأرملة ضحية الحرب التي تخسر فيها زوجها، والأخت المتعلقة بشقيقها الوحيد، وفي النهاية هي الضحية لكل تبعات أحداث الفيلم، هي ضحية غياب الأخ، واتهامه بخطف زهرة، ومن ثم مقاطعة القرية لها، ومعاناتها من الأزمة النفسية نتيجة وحدتها الاجتماعية والعاطفية. 
 
تقول آلاء نجم إن "شخصية سعدية تختصر معاناة المرأة العراقية خلال فترة الحرب، النساء هن الضحايا الحقيقيات في الحروب، هن رماد هذه الحروب، هن من يتحملن مخلفاتها المأساوية نفسيا واجتماعيا، وكان علي أن أقدم كل هذا بشخصية مركبة من خلال سعدية، العراقية الجنوبية البسيطة"، مشيرة إلى أن "هذا الفيلم لا يعتمد على لبطولة الفردية، بل إن الجميع هنا أبطال، والمشاهد موزعة بالتساوي تقريبا على الممثلين الرئيسيين، والتميز يعتمد على الجهد الإبداعي للممثل فالمخرج لا يعلم الممثل كيف يؤدي دوره بل هذا عمل الممثل وإبداعه، وأنا أعمل على الاقتناع أولا بأدائي قبل أن أفكر بإقناع المتلقي بتجسيد الشخصية، فإن كنت أنا قد أبدعت وأقنعت المشاهد فهذا يسعدني كثيرا"، واصفة الفيلم بانه"يتحدث عن قضية انسانية ماساوية الا وهي دفن العوائل الكوردية في صحراء السماوة بلا اي ذنب". 

وإذا كانت آلاء نجم قد أبدعت بأداء شخصيتها كأفضل ممثلة في "صمت الراعي" فإن الممثل المبدع محمود أبو العباس، صاحب التجربة الطويلة والمتميزة في المسرح والدراما التلفزيونية والسينما برز كأفضل ممثل في الفيلم عن دوره، حميد الصكر، شيخ القرية ووالد الطفلة المختفية.

بقي ان نعرف ان فيلم"صمت الراعي" قد شارك بمهرجانات دولية عديدة وحاز على جوائز مهمة، وقد تمت الاشادة بقصة الفيلم واخراجه واداء الممثلين.


مصدر الخبر

التقييم

هل نسب المحرر الصور إلى مصادرها؟
لم ينسب الصور لمصدرها

الصورة الواردة ضمن الخبر من دون مصدر, ولم يشير المحرر كيف حصل عليها.

هل ذكر المحرر مصادر المعلومات الواردة بالمحتوى؟
ذكر مصدر المعلومات

ذكر المحرر مصدر المعلومات من خلال لقاء وتصريح لشبكة رووداو من قبل مخرج الفلم.

هل خلط المحرر بين المعلومات الخبرية وتعليقه الشخصي؟
لم يخلط بين المعلومات الخبرية وتعليقه
هل قدم المحرر تغطية كافية للموضوع؟
قدّم التغطية الكافية للموضوع
هل استخدم المحرر مصادر مناسبة؟
استخدام المصادر مناسب
هل العنوان موضوعي ودقيق؟
العنوان موضوعي ودقيق
هل تناسب المادة المصورة المحتوى المكتوب؟
المادة المصورة تناسب المحتوى المكتوب
هل هناك خطاب كراهية ضمن المحتوى؟
المحتوى خال من خطاب كراهية
هل يوجد في المحتوى أي تحريض على العنف؟
المحتوى ليس فيه أي تحريض على العنف
هل هناك تمييز /أو تنميط ضد أفراد أو مجموعات ضمن المحتوى؟
هناك تمييز /أو تنميط ضمن المحتوى

أستخدم المحرر ضمن مقدمة التقرير لفض"المأنفلين", ويعتبر هذا اللفض تمييز وتنميط أتجاه المجموعات, ومنحهم صفة تميزهم عن الأخرين الذين ارتكبت بحقهم جرائم آخرى مختلفة.

تم التقييم بواسطة فريق التقييم بتاريخ 2023/05/22 08:49

تعليق المقيم

أستخدم المحرر التمييز والتنميط اتجاه المجموعات من خلال لفض "المؤنفلين", 

ولم ينسب الصورة الواردة ضمن الخبر إلى مصدرها.

رد الصحفي

لا يوجد

رايك في التقييم

التعليقات